سورة الأعراف - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


يقول الحقّ جلّ جلاله: {يا بني آدم لا يَفتِنَنَّكُمُ الشيطانُ}؛ بأن يشغلكم عما يقربكم إلى الله، ويحملكم على ما يمنعكم من دخول جنته، {كما أخرج أبويكُم من الجنة} بسبب غروره، والنهي، في اللفظ، للشيطان، والمراد: نهيهم عن اتباعه. حال كون أبويكم {ينزعُ} الشيطان {عنهما لباسَهما} بسبب غروره لهما، وإسناد النزع إليه: مجاز؛ للسببية؛ {ليُريهما سوءاتِهما إنه يراكم هو وقبيلُه من حيث لا تَرونهم}، وهو تعليل للنهي. وتحذير من فتنته، و{قبيله}: جنوده. ورؤيتهم إيانا من حيث لا نراهم في الجملة لا يقتصي امتناع رؤيتهم وتمثلهم لنا، وقد جاءت في رؤيتهم أحاديث صحيحة؛ فتحمل الآية على الأكثر والغالب. قال تعالى: {إنا جعلنا الشياطينَ أولياءَ للذين لا يؤمنون}؛ بما أوجدنا بينهم من التناسب، أو بإرسالهم عليهم، وتمكينهم من خذلانهم، وحملهم على ما سولوا لهم، والآية هي مقصود القصة وفذلكة الحكاية. قاله البيضاوي.
الإشارة: الحكمة في خلق الشيطان هي كونه منديلاً تمسح فيه أوساخ الأقدار، وكونه يحوش أولياء الله إلى الله، كلما نخسهم بنزعه فزعوا إلى مولاهم، فلا يزال بهم كذلك حتى يوصلهم إلى حضرته، فحينئذٍ ينقاد إليهم، ويخدمهم بأولادهم. وفي الحِكَم: (إذا علمت أن الشيطان لا يغفل عنك، فلا تغفل أنت عمن ناصيتك بيده).
قال محمد بن واسع: تمثل إلى الشيطان في طريق المسجد، فقال لي: يا ابن واسع، كلما أردتك وجدت بيني وبينك حجابًا، فما ذلك؟ قال: أقرأُ، كلما أصبحتُ: اللهم إنك سلطت علينا عدوًا من أعدائنا، بصيرًا بعيوبنا، مطلعًا على عوراتنا، يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم، اللهم آيسه منا كما آيسته من رحمتك، وقنطه منا كما قنطته من عفوك، وباعد بيننا وبينه كما باعدت بين المشرق والمغرب وفي رواية: كما باعدت بينه وبين جنتك إنك على كل شيء قدير. اهـ.


يقول الحقّ جلّ جلاله: في وصف المشركين: {وإذا فعلوا فاحشة} أي: فعلة متناهية في القبح؛ كعبادة الصنم، وكشف العورة في الطواف، احتجوا بفعل آبائهم فقالوا: {وجَدنَا عليها آباءنا واللهُ أمرنَا بها} فاعتذروا بعذرين باطلين: أحدهما: تقليد آبائهم، والآخر: افتراؤهم على الله، فأعرض عن الأول؛ لظهور فساده، ورد الثاني بقوله: {قل إنَّ الله لا يأمرُ بالفحشاء}؛ لأن الله تعالى جرت عادته على الأمر بمحاسن الأفعال ومكارم الخلال. ولا حجة فيه للمعتزلة. انظر البيضاوي.
والآية كأنها جواب سؤالين مترتبين؛ كأنه قيل لهم: لِمَ فعلتم هذه الفواحش؟ قالوا: وجدنا آباءنا، فقيل: ومن أين أخذها آباؤكم؟ قالوا: الله أمرنا بها، فكذبهم الله بقوله: {إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون}، أي: أتتقولون على الله ما لا علم لكم به؛ إنكار يتضمن النهي عن الافتراء على الله.
{قل أمرَ ربي بالقسط} أي: العدل، وهو الوسط من كل أمر، المتجافي عن طرفي الإفراط والتفريط، وأمر بأن قال: {وأقيموا وجوهَكم عند كل مسجد} أي: افعلوا الصلاة في كل مكان يمكن في السجود إذا حضرتكم، ولا تؤخروها حتى تعودوا إلى مساجدكم. والمعنى: إباحة الصلاة في كل موضع، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم: «جُعِلَت لِيَ الأرضُ مَسجدًا وَطَهورًا» وقيل: المراد إحضار النية والإخلاص لله في كل صلاة بدليل قوله: {وادعوه}؛ أي: اعبدوه {مخلصين له الدين} أي: الطاعة، فلا تعبدوا معه غيره، فإنكم راجعون إليه، {كما بدأكم تعودون} فيجازيكم على أعمالكم، فاحتج على البعث الأخروي بالبدأة الأولى؛ لاشتراكهما في تعلق القدرة بهما، بل العود أسهل باعتبار العادة، وقيل: كما بدأكم من التراب، تعودون إليه، وقيل: كما بدأكم حفاة عراة غرلاً، تعودون، وقيل: كما بدأكم مؤمنًا وكافرًا، يُعيدكم. قاله البيضاوي.
{فريقًا هدى}؛ بأن وفقهم للإيمان، {وفريقًا حق عليهم الضلالة}؛ بمقتضى القضاء السابق، أي: خذل فريقًا حق عليهم الضلالة، {إنهم اتخذوا الشياطينَ أولياءَ} يطيعونهم فيما يأمرونهم به، {من دون الله}، وهذا تعليل لخذلانهم وتحقيق لضلالتهم، {وَيحسَبُون} أي: يظنون {أنهم مهتدون}؛ فهم على جهل مركب، وفيه دليل على أن الكافر المخطىء والمعاند: سواء في الذم واستحقاق العذاب؛ إذ لا يعذر بالخطأ في أمر التوحيد.
الإشارة: تقليد الآباء في المساوىء من أقبح المساوىء، واحتجاج العبد بتخليته مع هواه هو ممن اتخذ إلهه هواه، إن الله لا يأمر بالفحشاء، فإذا قال العبد في حال انهماكه: هكذا أحبني ربي، فهو خطأ في الاحتجاج؛ بل يجاهد نفسه في الإقلاع، ويتضرع إلى مولاه في التوفيق؛ فإن الحق تعالى إنما يأمر بالعدل والإحسان، ودوام الطاعة والإذعان، والخضوع لله في كل زمان ومكان، والتحقق بالإخلاص في كل أوان، وإفراد المحبة والولاية للكريم المنان. وبالله التوفيق.


يقول الحقّ جلّ جلاله: {يا بني آدم خُذوا زينتكم} أي: ثيابكم التي تستر عورتكم، {عند كل مسجدٍ} لطواف أو صلاة، واحتج به من أوجب ستر العورة في الصلاة، ومن السًّنة أن يأخذ الرجل أحسن ثيابه للصلاة، وقيل: المراد بالزينة: زيادة على الستر، كالتجمل للجمعة بأحسن الثياب وبالسواك والطيب، {وكُلوا واشربوا}؛ أمر إباحة؛ لِمَا رُوِي أن بني عامر، في أيام الحج، كانوا لا يأكلون من الطعام إلا قوتًا، ولا يأكون دسمًا؛ يعظمون بذلك حجهم، وهَمَّ المسلمون بذلك، فنزلت.
{ولا تُسرفوا}؛ بتحريم الحلال، أو بالتقدم إلى الحرام، أو بإفراط الطعام والشره إليه، وقد عَدَّ في الإحياء من المهلكات: شره الطعام، وشره الوقاع، أي: الجماع؟ {إنه لا يحب المسرفين}؛ لا يرتضي فعلهم. وعن ابن عباس رضي الله عنه: (كُل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سَرفٌ ومخيلة) أي: تكبر. وقال علي بن الحسين بن واقد: جمع الله الطب في نصف آية؛ فقال: {كلوا واشربوا ولا تسرفوا}.
الإشارة: إنما أمر الحقّ جلّ جلاله بالتزين للصلاة والطواف؛ لأن فيهما الوقوف بين يدي ملك الملوك، وقد جرت عادة الناس في ملاقاة الملوك: التهيىء لذلك بما يقدرون عليه من حسن الهيئة؛ لأن ذلك زيادة تعظيم للملك، وتزيين البواطن بالمحبة والوداد أحسن من تزيين الظواهر وخراب البواطن؛ «إنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إلَى صُوَرِكُم ولاَ إلى أموَالِكُم، وإنَّمَا يَنظُرُ إلَى قُلوبِكُم وأعمَالِكُم» وملاقاة الملك بالذل والانكسار أحسن من ملاقاته بالتكبر والاستظهار. والله تعالى أعلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8